- أحاديث رمضان
- /
- ٠08رمضان 1422 هـ - موضوعات قرآنية
الحمد لله رب العـالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محـمد الصادق الوعد الأمين .
تمهيد
أيها الأخوة ؛ لو وقفت أمام بحرة راكدة ، سطحها مستو ، مياه راكدة ليس فيها اضطراب ، وألقيت حجراً فيها ماذا ترى ؟ ترى دوائر تتسع ، هذه الدوائر هي أمواج ، يقال الماء وسط مرن ، فإذا ألقي فيه حجر ، أو إذا أحدث فيه أثر ينشأ عن هذا الأثر موجات تتسع ، ثم تضعف ، ثم تتلاشى ، هذا الذي يحدث في الماء يحدث في الهواء تماماً ، أنت إذا ألقيت كلمة أنت أحدثت أثر في وسط مرن ، الهواء الذي بيني وبينكم تنتقل أمواج كلامي عبر الهواء إلى آذانكم فيكون السماع ، لو أن إنسان وقف على سطح القمر وتكلم ، وإلى جانبه رائد آخر لا يسمعه أبداً ، السبب لا يوجد هواء ، لا يوجد سطح مرن ينقل اهتزازات ، فالصوت يحتاج إلى وسط مرن تنقل عبره الاهتزازات ، فكما أنك ألقيت في الماء حجراً ينشأ في سطح الماء موجات تتسع ثم تتخامد ، أيضاً الصوت يتخامد ، لولا أن الصوت لا يتخـامد الحياة لا تحتمل ، إن أصوات البحار كلها في آذاننا ، وأصوات المعامل كلها في آذاننا ، والدليل أن الأمواج الكهرطيسية لا تتخامد .
أرسلت مركبة إلى المشتري بأعلى سرعة صنعها الإنسان أربعين ألف ميل بالساعة ، أي ستين ألف كيلو متر بالساعة ، وهذه المركبة بقيت تسير نحو المشتري ست سنوات بهذه السرعة ، وصلت إلى هناك ، أُرسلت صور ورسائل من هناك وصلت إلى الأرض ، كيف وصلت ؟ الموجة الكهرطيسية أساسها موجة الإذاعة ، وموجة صور التلفزيون ، هذه الموجات لا تتخامد تبقى محافظة على سعتها ، الموجة الصوتية وهذا من فضل الله علينا تتخامد ، هنا يوجد ضجيج بعد مائة متر لا يوجد شيء ، لولا هـذا الحياة لا تحتمل إطلاقاً ، عندنا سوق بالشام اسمه سوق النحاسيين ، إذا دخل أحد يخرج من جلده من شدة الصوت ، لو أن هذا الصوت عندك في البيت دائماً لا تنام الليل .
مفهوم الصوت والسماع
الآن الكلام : الحنجرة فيها أوتار ، الكلام وهو خارج يخرج من الرئتين إلى الفم يمر عبر الحنجرة ، الحنجرة فيها أوتار ، الحروف هي إحداث اهتزاز في وسط مرن ، والهواء ينقل هذا الاهتزاز ، وتسمع أنت الكلام ، هذا مفهوم الصوت .
أما السماع في القرآن موضوع ثاني : رجل يجلس سمع كلمة احترق مستودعك ! ماذا يجري له ؟ يتزلزل كيانه كله ، هي كلها كم حرف ، أخبار الوفاة مات فلان ، كلمة مات قد يكون الإنسان معلق عليه الآمال ، قد يكون لك معه مبلغ ضخم جداً ، فالإنسان يسمع الصوت ينتقل إلى أذنه ثم ينقل إلى الدماغ ، في الدماغ يحصل إدراك فحوى الكلام ، هذا كله تمهيد لآية .
الآن واحد واقف على كتفه عقرب كبير قلت له : على كتفك عقرب ! هل بقي مرتاح هادئ جداً ، التفت نحوك ببطء قال : أنا شاكر لك على هذه الملاحظة ، وأرجو أن أكافئك عليها في المستقبل ، هل سمع ما قلت له ؟ أبداً ، لأنه لو سمع لقفز وصرخ وخرج من جلده ، لأن لدغته قاتلة .
مفهوم السمع في الدين
الآن يقول الله عز وجل :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾
الإنسان سمع القرآن ، سمع الحديث ، إذا ما استجاب يعني أنه لم يسمع ، بالقرآن مفهوم السماع الاستجابة ، أنت قلت له عقرب لم يتغير ، ولم يتلون ، ولم يصفر ، ولم يصرخ ، ولم يقفز ، ولم يمشي ، بقي واقف مرتاح هادئ يعني أنه لم يسمع ، كيف نفسر الصوت ؟ الأمواج الصوتية وصلت إلى أذنه وأحدثت أثراً صوتياً ، لكن هذا الصوت لم ينتقل إلى الدماغ وبالتالي لم يدرك الدماغ الخطر ، مفهوم السماع بالقرآن الاستجابة .
﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾
علامة أنكن سمعتن الحق التوبة .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾
لأنهم ما استجابوا إذاً لم يسمعوا ، مادام قلت له عقرب ولم يتحرك ، يعني أنه لم يسمع ، يعني أنه وصله الصوت ، وصله اضطراب في وسط مرن ، أما هذا الصوت لم يفهم فحواه ، ولم يدرك أبعاده .
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾
يعني أنك قد تجلس في خطبة ، في مسجد في درس ، قد تستمع إلى شريط أو إلى موعظة ، مادام لا يوجد استجابة معنى ذلك أنك لم تسمع شيئاً ، وصل إليك صوت ، أحياناً يكون هناك تشويش تسمع صوت لا تفهم معناه ، أوضح من ذلك لو سمعت كلام بالتركي أو بالفرنسي لا تفهم شيء ، الأصوات تنتقل.
مرة كنا في وفد رسمي في بلد إسلامي ، ويوجد خطاب ظل مدة ساعتين ، طبعاً لم نفقه شيئاً ، ومروا الساعتين كسنتين ، نسمع صوت !
أنت افتح على إذاعة أجنبية بالتركي ، بالعبري لا تفهم شيء ، تسمع صوت فقط ، فإذا الإنسان وصله هذا الصوت ولم يترجمه إلى مفهوم وأدركه يعني أنه لم يسمع ، شأنه شأن الهواء ، وسط مرن أحدثت فيه له تأثير ، وهنا يقول الله تعالى :
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
يعني أن الله تولى الهداية قال :
﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾
علينا وعلى مع لفظ الجلالة تفيد الإلزام الذاتي ، الله ألزم نفسه بالهدى .
﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
ما لم تتحرك ، ما لم تستجب ، ما لم تلتزم ، ما لم تتب ، ما لم تندم ، ما لم تستغفر ، ما لم تخرج من بيتك لخدمة الخلق ، ما لم تحدث شيئاً ، أنت لم تسمع شيئاً ، لذلك تجد رواد المساجد وطلاب العلم كثر ، لكن ما الذي استفادوا مما سمعوه ؟ هو سلوك ، إذا انقلب هذا السمع إلى سلوك يعني أنهم سمعوا ، وإلا لم يسمعوا شيء .
لو فرضنا دابة من الدواب سمعت صوت ، تسمعه كما تسمعه أنت ، لكنها لا تفقه شيئاً .
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾
ضع فوق الدابة كتاب فيزياء نووية ، بعد هذا اسألها ماذا فهمت منه ؟ كأنه حجر ، ويوجد أشخاص علاقتهم بالعلم هكذا ! حمل شيء لكن ما فهم شيء ، فكل إنسان يسمع هذا السماع يجب أن ينتج عنه حركة سلوك التزام توبة ، استغفار ، فإن لم يكن يعني أنه لم يسمع ، فإذا لم يسمع شأنه كشأن الحجر .
كنا قديماً يوجد حافلة تراب من دمشق إلى دوما ، الغوطة كانت جميلة جداً كلها أشجار ، وفي الربيع جنة ، فأحلى نزهة كانت تركب حافلة دوما ، هذه الحافلة تسير بين البساتين وكلها في الربيع ، يوجد أعمدة ، فإذا وضع أحد أذنه على العامود يسمع ما إذا كان هناك حافلة تأتي بعد حين ! لأن الأصوات تنتقل عبر الأجسام الصلبة أسرع من الهواء ، والدليل ضع إصبعك بأذنك تسمع ضجيج حركة الأمعاء ، عندما استعملت عظام الأصبع لنقل الصوت تجد الصوت قوي جداً ، فالصوت ينتقل عبر وسط مرن وعبر وسط غير مرن ينتقل ، لكن إذا لم يترجم هذا الصوت إلى مفهوم أو معنى ، والمعنى إذا لم ينقلب إلى سـلوك أنت عند الله لم تسمع شيئاً ، فالآيات كما يلي :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
لو قلت لي واحد بشمال أمريكا بكندة ، أو بأستراليا ، والحق ما بلغه ، والله لو فيه خير واحد بالمليار لأسمعه الله الحق ولوصل إليه ، هذه قاعدة ، فأنت لا تعتب على الله عز وجل من أجل هؤلاء الشعوب الشاردة .
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
أحد إخواننا كان بأمريكا ، دخل إلى مركز إسلامي رأى شخص هيأته هيأة راقية جداً منظف مرافق المسجد ، فـسأله فإذا هو أدميرال بالبحرية الأمريكية بـرتبة عالية ، كان في مهمة في الشرق الأوسط ، التقى مع عالم يتقن اللغة الإنجليزية ، أقنعه بالدين فأسـلم ، هذا الإنسان فيه ذرة خير ، فساقه الله عز وجل إلى بلد سمع الحق ، واسـأل كل واحد من بلاد بعيدة جـداً اهتدى إلى الإسـلام تجد له قصة ، هذه القصة ليست صدفة إنما هي مركزة ، الله عز وجل علم فيه خيراً فأسمعه الحق ، فإذا أنت تسمع الحق هذه بشارة من الله لنا جميعاً ، مادام تستمع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله ، الله مكّنك من صيام وقيام هذا الشهر فهذه بشارة ، والدليل هذه الآية :
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
مادام أنه ساقك إلى بيت من بيوته ، وأسمعك تفسير كتابه ، وأسمعك حديث رسوله ، وأسمعك شيء من الحق ، يعني ذلك أن الله علم فيك خيراً .
العمل الصالح بعد سماع الحق
بقي أن نستجيب آخر آية :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
فدعوة الله لنا للحياة ، الحياة التي تليق بنا ، حياة القلب ، حياة الروح ، حياة القيم ، حياة العمل الصالح ، يوجد غني وفقير ، الغني معه مائة مليون ، الفقير ما معه شيء ، الغني والفقير بالمفهوم الديني ، الغني من له أعمال صالحة كثيرة ، والفقير ليس له أعمال صالحة ، الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح ، لأن العمل الصالح هو العملة المتداولة في الآخرة ، إذا واحد ذهب إلى بلد وهو سوري والعملة غير معترف بها ، لو معه مائة مليون لا قيمة لها ، فكل إنسان يسافر يصرف يشتري عملة البلد ، فالآخرة عملتها الرائجة العمل الصالح ، فإذا غادرت الدنيا من غير عملة رائجة هناك فقير ، والفقر هناك فقر العمل الصالح ، والغنى غنى العمل الصالح ، فلذلك أنت عند الله عز وجل لا تسمى سامعاً إلا إذا طبقت عند الله .
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾
لأنهم لم يطبقوا ، ولم يستجيبوا ، ولم يلتزموا ، ولم يتوبوا ، ولم يستغفروا ، ولم يتحركوا .
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
إذا لم يأخذوا موقف لم يستفيدوا ، يوجد نقطة دقيقة أخيرة : تقول : أنا مؤمن ، إذا الشمس ساطعة وأنت تحمست تحمست تحمست وفكرت وجمعت وطرحت وقسمت وضربت وقلت الشمس ساطعة ماذا فعلت ؟ هي ساطعة ، أنت مازلت عن أنك أقررت بحقيقة ساطعة حقيقة صارخة أنت لم تفعل شيء أبداً ، إن قلت ليست ساطعة يلزمه مشفى المجانين ، الشمس ساطعة وأنت أنكرت ساطعة يعني أنك مجنون ، فأنت حينما تؤمن بالحق ولم تتحرك لم تفعل شيئاً ، أنا مؤمن ، هل آمنت بالله ؟ نعم ، ماذا فعلت ؟ مادمت قد آمنت ماذا فعلت ؟ ماذا قدمت ؟ ما الذي تركته لله ؟ ما الذي فعلته لله ؟ ما الذي أعطيته لله ؟ ما الذي منعته لله ؟ متى غضبت لله ؟ متى رضيت لله إذا لا يوجد حركة ، لا يوجد تصرف ، لا يوجد موقف ، بناء على إيمانك ، فإيمانك ليس له قيمة .
إذا قلت واحد معه مرض جلدي يحتاج إلى شمس ، قال : الشمس ساطعة ! يا لها من شمس رائعة ! يا لها من شمس في رابعة النهار ! إنها شمس مشرقة ! حدثنا مائة مرة عن الشمس ، ما لم تخرج إلى أشعة الشمس وتعرض جسمك إلى هذه الأشعة كل اعترافاتك بأنها ساطعة لا قيمة لها إطلاقاً .
فالآن مفهومنا اليوم وهو آخر درس إن شاء الله أنه ما لم ينتج عن سماعك حركة فأنت لم تسمع .
﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
والحمد لله رب العالمين .
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضا عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .